New Law to Regulate Food Safety

عانى السوق المصري، لسنوات طويلة، من الفوضى القانونية في مجال تنظيم الرقابة على انتاج وتخزين وتوزيع وبيع المنتجات الغذائية، مما جعل هذا الموضوع يتحول إلى واحد من أكبر معوقات الاستثمار في المجال الغذائي بسبب البيروقراطية المعقدة والفساد اللذين ارتبطا به. لذلك فقد جرى، طوال السنوات العشر الماضية على الأقل، التفكير في إصدار قانون جديد ينظم هذا الموضوع تنظيماً عصرياً وشاملاً. وفي هذا الإطار فقد صدر أخيراً "قانون الهيئة القومية لسلامة الغذاء" رقم ١ لسنة ٢٠١٧[1] لكي يضع اطاراً قانونياً جديداً وشاملاً لرقابة على سلامة الغذاء.

والقانون في الأساس ينشئ هيئة قومية جديدة باسم "الهيئة القومية لسلامة الغذاء" (ويشار إليها فيما بعد بـ "الهيئة") لكي تكون الجهة الرسمية الوحيدة المعنية بالرقابة على سلامة الغذاء وتحل بذلك محل عشرات الوزارات والإدارات والمصالح الحكومية التي كان التداخل والتضارب في أدوارها سبب الوضع شديد السوء الذي عانى منه المستثمرون في المجال الغذائي. ولكن أهمية القانون الجديد ليست فقط في إنشاء هذه الهيئة وإنما أيضاً فيما يخصها به من صلاحيات وما يتضمنه من توضيح للعديد من المفاهيم التي كانت مضطربة من قبل.

المقصود بالغذاء وسلامة تداوله

من أهم ما جاء به القانون الجديد هو تحديد العديد من المفاهيم التي كانت تثير الغموض والتضارب في ظل غابة التشريعات المنظمة لسلامة الغذاء. فالقانون الجديد يعرف الغذاء باعتباره "أي منتج أو مادة قابلة للاستهلاك الآدمي، سواء كانت مادة أولية أو خاماً أو نيئاً، مصنعة كلياً أو جزئياً أو شبه مصنعة أو غير مصنعة، بما في ذلك المشروبات والمياه المعبأة أو المضافة للغذاء أو أية مادة متضمنة للمياه، والعلكة". ويلاحظ أن التعريف السابق يستبعد بنص صريح "العلف، والنباتات والمحاصيل قبل حصادها، والحيوانات والطيور الحية قبل دخولها المجازر، والكائنات البحرية وأسماك المزارع قبل صيدها، والمنتجات الدوائية ومستحضرات التجميل، والتبغ ومنتجاته، والمواد المخدرة والمؤثرات العقلية".

الطبيعة القانونية للهيئة

الهيئة في طبيعتها القانونية هيئة خدمية عامة، وبالتالي جزء لا يتجزأ من الجهاز الإداري للدولة، وتخضع لكافة القوانين والنظم الحكومية، إلا فيما استثني بنص خاص في القانون الجديد. وينص القانون على تبعيتها لرئيس الجمهورية. ومع ذلك يلاحظ أن الوزير المختص بتطبيق أحكام هذا القانون - بمعنى الذي يصدر لائحته التنفيذية ويمثل الهيئة أمام مجلس الوزراء ومجلس النواب - هو رئيس مجلس الوزراء.

وقد اختص القانون الجديد الهيئة بأحكام خاصة، أهمها حصولها على رسوم مقابل فحص المنشآت وإصدار التراخيص والشهادات بما لا يجاوز عشرين ألف جنيهاً وبزيادة سنوية لا تزيد على ٥٪‏. كذلك نص القانون على عدم خضوع الهيئة للقوانين واللوائح المعمول بها في الجهاز الإداري للدولة بالنسبة لشؤونها المالية والإدارية وشؤون العاملين.

مهمة الهيئة واختصاصاتها 

مهمة الهيئة الرئيسية - وفقاً لنص القانون - هي "تحقيق متطلبات سلامة الغذاء بما يكفل الحفاظ على صحة وسلامة الإنسان"، أو بمعنى آخر الرقابة على كل ما يتعلق بالغذاء في مصر من أجل الحفاظ على الصحة العامة.

ومن أجل تحديد معنى هذا الهدف الواسع نسبياً وتحقيقه، فقد أناط القانون بالهيئة صلاحيات واختصاصات عديدة، فيما يلي أهمها:

1. وضع القواعد اللازمة لتحقيق سلامة الغذاء واقتراح القوانين المتعلقة بذلك.
2. الرقابة على تداول الأغذية والتحقق من توافر الشروط والمواصفات السليمة في كل مراحل ذلك. وهنا يجب التوقف والإشارة إلى أن مفهوم "تداول الأغذية" لا يعني مجرد بيعها وشرائها كما يفهم منه لغوياً، بل معنى أكثر اتساعاً بكثير، وهو معرف في القانون بأنه: "أي عملية أو أكثر من عمليات إنتاج الغذاء، أو تصنيعه، أو طرحه، أو عرضه للبيع، أو تخزينه، أو حفظه، أو تغليفه، أو نقله، أو تسليمه، أو استيراده، أو تصديره، أو الترخيص بأي من هذه الأنشطة أو الموافقة عليها".
3. وضع شروط وقواعد منح شهادات الصلاحية اللازمة لتصدير الغذاء.
4. الترخيص والتفتيش والرقابة على تداول الأغذية وعلى العاملين فيه.
5. الرقابة على الأغذية المستوردة والمحلية ومنع تداول غير الصالح منها ومنع الغش فيها.
6. وضع النظم التي يعمل بها لمواجهة حالات الطوارئ المتعلقة بالأغذية، بما في ذلك إجراءات سحبها من التداول.
7. وضع البرنامج اللازم لحصر منتجي الغذاء غير المرخص لهم ولتوفيق أوضاعهم.
8. تنمية الوعي المجتمعي بسلامة الغذاء وإتاحة المعلومات الخاصة بذلك.
9. وضع القواعد الخاصة بالإعلانات عن المواد الغذائية.
10. التعاون مع المنظمات الدولية المماثلة.
11. تنظيم قبول أو رفض الأغذية المحوّرة وراثياً وكذلك استخدام المواد المضافة وفقاً للمعايير الدولية.
12. إجراء البحوث والدراسات الخاصة بسلامة الأغذية.

ويلاحظ أن هذه اختصاصات شديدة الأهمية والاتساع وأنها - حال تطبيقها - تعطي الهيئة كامل الصلاحية ليس فقط في وضع الضوابط والقواعد المتعلقة بسلامة الغذاء وإنما أيضاً في تنفيذها بنفسها.

وفي هذا الإطار يلزم الإشارة إلى أن ما يعطي هذه الصلاحيات قوتها التنفيذية الكاملة هو ما ورد بالمادة الثانية من مواد إصدار القانون بأن "تتولي الهيئة ... دون غيرها الاختصاصات المقررة للوزارات والهيئات العامة والمصالح الحكومية ووحدات الإدارة المحلية فيما يخص الرقابة على تداول الغذاء في التشريعات ذات الصِّلة بسلامة الغذاء..". وقد نص القانون الجديد بالفعل على أربعة عشر قانوناً صادرة بدءاً من عام ١٩٤١ وحتى عام ٢٠٠٢ تكون الهيئة مختصة بتطبيق الأحكام الخاصة فيها بسلامة الغذاء. كذلك نصت المادة الرابعة من مواد الإصدار على أن ينتقل العاملون بالإدارات الحكومية المعنية بمراقبة سلامة الغذاء الذين يصدر بتحديدهم قرار من رئيس الوزراء إلى الهيئة الجديدة. وهذا كله يعني أن الغرض من القانون ليس مجرد إضافة درجة رقابية وبيروقراطية جديدة فوق ما هو موجود بالفعل، بل إلغاء أشكال الرقابة السابقة المتداخلة والمتضاربة فيما بينها وجعل الموضوع برمته في يد هيئة واحدة جديدة.

إدارة الهيئة

نص القانون على أن يدير الهيئة مجلس إدارة يتكون من رئيس متفرغ، وممثل عن كل من وزارات التجارة والصناعة، والصحة، والزراعة، والداخلية، والبيئة، والسياحة، والتموين والتجارة الداخلية، كما يضم مدير إدارة الخدمات البيطرية بالقوات المسلحة، ورئيس جهاز حماية المستهلك، ورئيس هيئة الخدمات البيطرية، ورئيس الاتحاد العام للغرف التجارية، ورئيس اتحاد الصناعات المصرية أو من يمثلهم، بالإضافة إلى ثلاثة من ذوي الخبرة. ويصدر بتشكيل المجلس قرار من رئيس الوزراء.

كذلك منح القانون رئيس مجلس إدارة الهيئة صلاحيات محددة بما فيها ما يتعلق بإعدام الأغذية، ووقف التراخيص، وغلق الأماكن، وإعادة التصدير، وله أن يقرر تنفيذ أي مما سبق على نفقة الشخص أو الجهة المخاطبة بالقرار.

وأخيراً فقد نص القانون أيضاً على تشكيل مجلس أمناء للهيئة الجديدة برئاسة رئيس الوزراء، وعضوية وزراء التجارة والصناعة، والصحة، والزراعة، والبيئة، والسياحة، والتموين والتجارة الداخلية، وخبيرين في مجال سلامة الغذاء. ويختص مجلس الأمناء بوضع السياسات العامة لعمل الهيئة ومتابعة تنفيذها. والأرجح أن المقصود من تشكيل مجلس الأمناء في الواقع هو ضمان التعاون والتنسيق والعمل المشترك بين الوزارات الرئيسية المعنية بموضوع سلامة الغذاء.

قرارات الهيئة والتظلم منها

نظراً لأن الهيئة لديها سلطة إصدار قرارات ذات طبيعة رقابية هامة، ولكي يمكن حسم الخلافات بشأنها حسماً سريعاً قبل اللجوء إلى القضاء الإداري المختص، فإن القانون نص على تشكيل لجان التظلمات من قرارات الهيئة يكون كل منها برئاسة مستشار بدرجة نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية ممثل عن الهيئة وأخر عن الغرفة المعنية باتحاد الصناعات المصرية، وثالث عن الاتحاد العام للغرف التجارية. ويجب تقديم التظلم خلال خمسة عشر يوماً من صدور قرار الهيئة الجاري التظلم منه، كما يجب على اللجنة البت فيه خلال خمسة عشر يوماً تالية، وفي أحوال الاستعجال يكون البت خلال ثلاثة أيام. ولا يلغي ما سبق حق اللجوء إلى القضاء الإداري صاحب الاختصاص الأصيل، ولكن ينص القانون على عدم جواز القيام بذلك إلا بعد استنفاذ طريق التظلم أولاً.

تاريخ سريان القانون

وأخيراً فقد نص القانون على أن تباشر الهيئة الاختصاصات الممنوحة لها في الرقابة على سلامة الغذاء في الموعد الذي يحدده رئيس مجلس الوزراء على أن يكون خلال عام من تاريخ العمل بالقانون، اي قبل ١٠ يناير ٢٠١٨. ومن المفهوم أن يتأخر تنفيذ القانون لهذه المدة نظراً للترتيبات والاستعدادات الإدارية والتنفيذية المطلوبة لتطبيقه، بما في ذلك نقل العاملين بالوزارات والهيئات المعنية بالرقابة على الأغذية إليه وترتيب أوضاعهم الوظيفية، وهذه عملية معقدة وتحتاج وقتاً. ولكن للأسف أن القانون قد نص على جواز قيام رئيس مجلس الوزراء بتجديد مدة العام المذكور إلى مدد أخرى مماثلة دون وضع حد أقصى لذلك، مما يهدد بالتأخير الشديد في تطبيق القانون لو لم تضع الدولة وراءه الموارد والاهتمام المطلوبين.

الخاتمة

برغم أن صدور القانون في حد ذاته يعتبر خطوة شديدة الأهمية والايجابية لما يؤدي إليه من توحيد الرقابة على كافة مراحل تصنيع وتخزين وبيع المواد الغذائية في جهة واحدة بدلاً من التعدد والتضارب الحالي بين جهات الرقابة المختلفة. ومع ذلك فإن هناك عدة نقاط ضعف في القانون يلزم مراعاتها كي يأتي بالنتائج المرجوة منه:

1. أهم نقطة ضعف أن القانون لم يحدد بشكل قاطع موعد دخوله نطاق التنفيذ والإلزام، بما يمكن أن يؤدي إلى تأخر تطبيقه لفترة زمنية ممتدة خاصة وأن تحديد موعد إنفاذه صار بيد رئيس الوزراء دون حد أقصى.
2. كذلك فإن القانون الجديد يلغي التناقض والتضارب بين الجهات الرقابية المختلفة، ولكنه لا يلغي التداخل بين القوانين. فقد سبق ذكر أن القانون الجديد يذكر ١٤ تشريعاً مختلفاً تتناول موضوع سلامة تداول الغذاء، وهذه لم يتم إلغاؤها أو تعديلها بموجب القانون الجديد الذي احتفظ بها كما كانت وقام فقط بتوحيد جهة الرقابة التي تطبق هذه القوانين الأربعة عشر. ولعل هذا يكون محلاً لإصلاح تال، لا يتوقف عند تنظيم جهة الرقابة وإنما يمتد أيضاً إلى توحيد وتنقية القوانين الموضوعية القائمة في هذا المجال.
3. وأخيراً فإن تشكيل مجلسي الأمناء والإدارة للهيئة الجديدة يحتاج لمراجعة بحيث يضم ممثلين ليس فقط من القطاع الخاص وإنما أيضا من الجمعيات الأهلية العاملة في مجال حماية حقوق المستهلكين نظرًا لأهمية هذا الطرف في معادلة الرقابة.

القانون الجديد إذن خطوة إيجابية ولكن يحتاج للكثير من العمل التنفيذي كي يحقق الأهداف المتوقعة منه.

[1] قانون رقم ١ لسنة ٢٠١٧ بإصدار قانون الهيئة القومية لسلامة الغذاء، الجريدة الرسمية، العدد الأول (مكرر) (ج)، بتاريخ ١٠ يناير ٢٠١٧.